في ما يلي، النصّ الأصلي، لاستطلاع أوّلي أجريْته العام 1982عشية الحرب التي شنّتها إسرائيل على لبنان؛ وذلك في إطار المادّة الدراسية “حالات اجتماعية” في السنة الأولى من برنامج الدراسات العليا في قسم علم النفس من كلية الآداب والعلوم الإنسانية- الجامعة اللبنانية. وهو بمثابة تحليل للدينامية النفس- اجتماعية لمُعاش مداوِمي المقاهي، وفق رواياتهم له لباحِثة سائِلة. وكنتُ قد عرّفتُ “المداوم على المقهى” بالشخص الذي يؤمّ المقهى، نفسه، مرّة واحدة في اليوم على الأقلّ ودون انقطاع إلا للضرورة القصوى ( السفر، المرض، الوضع الأمني). واستجاب لطلب البوْح عن مُعاش المُداومة في المقهى تسعة من الأفراد/ المبحوثين توزّعت مهنهم على الشكل التالي: مذيعة، سيناري، صحافي، أستاذ ثانوي، كاتب، روائية، كاتبة، صحافية، فنانة تشكيلية. هؤلاء كانوا – في الفترة الذي أجريَ فيها هذا الاستطلاع- مداوِمين في المقهى[1] نفسه. وأنا توسّلتُ تقنيّة المقابلة المفتوحة فاسترسل هؤلاء في كلام هؤلاء استجابة لسؤال وحيد: “كيف تصف مُعاشَك للمقهى الذي ترتاده كلّ يوم”؟ ولم تتمّ مقاطعتهم إلا لطلب الاستيضاح حول مسألة طرحوها. فتراكمت لديّ معطيات كثيرة، لم أستخدم أكثرها، واقتصر الاهتمام بأجزاء منها، سمحت لي برسم فرضية يمكن الانطلاق منها لدراسة أشمل تهدف إلى فهم ظاهرة المُداومة في المقاهي في مدينتنا- في أحد أحيائها المزدهرة، تحديداً- والتي كانت حينذاك، بفعل الحروب المتنقّلة والتهجير القسري أو الإرادي، تتحوّل من حالٍ إلى حال.
[1] وهو مقهى “غير شعبي” في حيّ غير شعبي . والمداوَمة في المقاهي الشعبية ظاهرة معروفة في المدن اللبنانية يؤمّها، في الغالب، الرجال، دون النساء، في الأحياء الشعبية ويمارسون فيها لعب الطاولة وشرب الأركيلة ويتابعون فيها أخبار سبق الخيل أو الأخبار السياسية إلخ. ( وفق دراسة شبيهة أجراها زميل في المادة الدراسية نفسها – غير منشورة- راقب فيها سلوك مداوِمي المقاهي الشعبية). بعض نتائج هذه الدراسة طوّعت لتصبح مقالاً نشر في جريدة النهار اللبنانية اليومية في العام 1988